بسم الله الرحمن الرحيم
شهر الله المحرَّم
بعض الآثار الواردة فيه:
1- عن أبي بكرة -رضيَ الله عنه- عن النبي -صلى اللهُ عليه وسلم- قال: "إن الزمانَ استدار كهيئتِه يوم خلق الله السماوات والأرض، السنة اثنا عشر شهرًا، منها أربعة حرُم: ثلاث متواليات ذو القعدة وذو الحجة والمحرم، ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان" متفق عليه.
2- عن أبي هريرة -رضيَ الله عنه- قال: قال رسول الله [صلى اللهُ عليه وسلم]: "أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرَّم، وأفضل الصلاة بعد الفريضة: صلاة الليل".
3- عن عائشة -رضيَ اللهُ عنها- قالت: "كان يوم عاشوراء تصومه قريش في الجاهلية، فلما قدم المدينة صامه وأمر بصيامه، فلما فرض رمضان ترك يوم عاشوراء، فمن شاء صامه، ومن شاء تركه". متفق عليه.
4- عن ابن عباس -رضيَ الله عنهما- قال: "قدِم النبي -- المدينة فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء، فقال: "ما هذا؟"، قالوا: هذا يوم صالح، هذا يوم نجى الله بني إسرائيل من عدوهم فصامه موسى، قال: "فأنا أحق بموسى منكم"، فصامه وأمر بصيامه" متفق عليه.
5- عن أبي موسى الأشعري -رضيَ الله عنه- قال: "كان يوم عاشوراء تعده اليهود عيدًا، قال النبي -صلى اللهُ عليه وسلم-: "فصوموه أنتم" متفق عليه.
6- عن حميد بن عبد الرحمن أنه سمع معاوية بن أبي سفيان -رضيَ الله عنهما- يوم عاشوراء عام حج على المنبر يقول: "يا أهل المدينة! أين علماؤكم؟ سمعتُ رسول الله -صلى اللهُ عليه وسلم- يقول: "هذا يوم عاشوراء، ولم يكتب الله عليكم صيامه، وأنا صائم، فمن شاء فليصم، ومن شاء فليفطر" متفق عليه.
7- عن ابن عباس -رضي اللهُ عنهما- قال: "ما رأيت النبي -صلى اللهُ عليه وسلم- يتحرى صيام يوم فضَّله على غيره إلا هذا اليوم يوم عاشوراء، وهذا الشهر -يعني شهر رمضان".
8- عن الرُّبيِّع بنت معوذ -رضيَ الله عنها- قالت: "أرسل النبي -َ- غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار: "من أصبح مفطرًا فليتم بقية يومه، ومن أصبح صائمًا فليصم" قالت: فكنا نصومه بعد ونصوِّم صبياننا ونجعل لهم اللعبة من العِهن، فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناه ذاك حتى يكون عند الإفطار". متفق عليه.
9- عن سلمة بن الأكوع -رضي اللهُ عنه- قال: "أمر النبي -صلى اللهُ عليه وسلم- رجلًا من أسلَم أن أذِّن في الناس أن مَن كان أكل فليصم بقية يومه، ومن لم يكن أكل فليصم، فإن اليوم يوم عاشوراء". متفق عليه.
10- ما رواه أبو قتادة -رضيَ الله عنه- عن النبي -صلى اللهُ عليه وسلم- قال: "ثلاث من كل شهر، ورمضان إلى رمضان، فهذا صيام الدهر كله، وصيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده، وصيام يوم عاشوراء أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله".
11- ما رواه عبد الله بن عمر -رضيَ الله عنهما-: "أن أهل الجاهلية كانوا يصومون يوم عاشوراء، وأن رسول الله -َ- صامه والمسلمون، قبل أن يفترض رمضان، فلما افترض رمضان قال رسول الله -صلَّى الله عليه وسلم-: "إن عاشوراء يوم من أيام الله، فمن شاء صامه ومن شاء تركه".
12- عن جابر بن سمرة -رضيَ الله عنهما- قال: "كان رسول الله -صلى اللهُ عليه وسلم- يأمرنا بصيام يوم عاشوراء، ويحثنا عليه، ويتعاهدنا عنده، فلما فرض رمضان لم يأمرنا ولم ينهَنا ولم يتعاهدنا عنده".
13- عن ابن عمر -رضيَ الله عنهما- قال: "صام النبي -صلى اللهُ عليه وسلم- عاشوراء وأمر بصيامه، فلما فرض رمضان ترك، وكان عبد الله لا يصومه إلا أن يوافق صومه".
14- ما رُوي عن ابن عباس -رضي اللهُ عنهما- أنه قال: "حين صام رسول الله -صلى اللهُ عليه وسلم- يوم عاشوراء وأمر بصيامه قالوا: يا رسول الله! إنه يوم تعظِّمه اليهود والنصارى، فقال رسول الله -صلى اللهُ عليه وسلم-: "فإذا كان العام المقبل إن شاء الله صُمنا اليوم التاسع. قال: فلم يأتِ العام المقبل حتى توفي رسول الله -صلى اللهُ عليه وسلم-. وفي رواية: "لئن بقيتُ إلى قابل لأصومن التاسع"".
15- عن الحكم بن الأعرج قال: "انتهيت إلى ابن عباس -رضي اللهُ عنهما- وهو متوسد رداءَه عند زمزم، فقلت له: أخبرني عن صوم عاشوراء؟ فقال: إذا رأيتَ هلال المحرم فاعدد، وأصبح يوم التاسع صائمًا. قلت: هكذا كان رسول الله -صلى اللهُ عليه وسلم- يصومه؟ قال: نعم".
16- عن ابن عباس -رضيَ الله عنهما- قال: "أمر رسول الله -صلى اللهُ عليه وسلم- بصوم يوم عاشوراء يوم العاشر".
17- عن ابن عباس -رضيَ الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى اللهُ عليه وسلم-: "صوموا يوم عا شوراء، وخالفوا فيه اليهود، وصوموا قبله يومًا أو بعده يومًا".
قال ابن قيم الجوزية:
(فمن تأمل مجموع روايات ابن عباس، تبيَّن له زوال الإشكال، وسعة علم ابن عباس -رضي اللهُ عنهما-؛ فإنه لم يجعل عاشوراء هو اليوم التاسع؛ بل قال للسائل: صم اليوم التاسع، واكتفى بمعرفة السائل أن يوم عاشوراء هو اليوم العاشر الذي يعده الناس كلهم يوم عاشوراء، فأرشد إلى صيام التاسع معه، وأخبر أن رسول الله -صلى اللهُ عليه وسلم- كان يصومه كذلك، فإما أن يكون فِعل ذلك هو الأولى، وإما أن يكون حمل فعله على الأمر به، وعزمه عليه في المستقبل، ويدل على ذلك أنه هو الذي روى: "صوموا يومًا قبله ويومًا بعده"، وهو الذي روى: أمرنا رسول الله -صلى اللهُ عليه وسلم- بصيام يوم عاشوراء يوم العاشر.
وكل هذه الآثار عنه يصدق بعضها بعضًا.
فمراتب صومه ثلاث: أكملها: أن يصام قبله يوم وبعده يوم.
ويلي ذلك: أن يصام التاسع والعاشر، وعليه أكثر الأحاديث.
ويلي ذلك: إفراد العاشر وحده بالصوم.
وأما إفراد التاسع: فمِن نقص فهم الآثار، وعدم تتبع ألفاظها وطرقها، وهو بعيد من اللغة والشرع، والله الموفق للصواب) اهـ.
وقال الإمام أحمد بن حنبل -رحمهُ الله-:
(فإن اشتُبه عليه أول الشهر؛ صام ثلاثة أيام، وإنما يفعل ذلك ليتيقَّن صوم التاسع والعاشر).
بدعة الحزن في شهر الله المحرَّم عند الرافضة:
(( في اليوم العاشر من شهر محرم، وهو اليوم الذي عرف بـ (عاشوراء):
أكرم الله -سبحانه وتعالى- الحسين بن علي بن أبي طالب -رضي الله عنهما- بالشَّهادة؛ وذلك سنة 61هـ...
فلما قتل عبد الرحمن بن ملجم أمير المؤمنين عليَّ بن أبي طالب -رضي الله عنه- وبايع الصحابة للحسن -ابنه الذي قال فيه -صلى الله عليه وسلم-: "إن ابني هذا سيد، وسيصلِح اللهُ به بين فئتين عظيمتين من المسلمين"-، فنزل عن الولاية، وأصلح الله به بين الطائفتين، ثم إنه مات -رضي الله عنه-، وقامت طوائف كاتبوا الحسين ووعدوه بالنصر والمعاونة إذا قام بالأمر، ولم يكونوا من أهل ذلك؛ بل لما أرسل إليهم ابن عمه؛ أخلفوا وعده، ونقضوا عهده، وأعانوا عليه من وعدوه أن يدفعوه عنه، ويقاتلوه معه...
فلما خرج الحسين -رضي الله عنه- ورأى أن الأمور قد تغيرت؛ طلب منهم أن يدَعوه يرجع، أو يلحق ببعض الثغور، أو يلحق بابن عمه يزيد، فمنعوه هذا وهذا حتى يستأسر، وقاتلوه، فقاتلهم فقتلوه وطائفةً ممن معه مظلومًا شهيدًا شهادةً أكرمه الله بها، وألحقه بأهل بيته الطيبين الطاهرين، وأهان بها مَن ظلمه واعتدى عليه.
فأوجب ذلك شرًّا بين الناس: فصارت طائفة جاهلة ظالمة -إما ملحدة منافقة، وإما ضالة غاوية- تظهر موالاته وموالاة أهل بيته؛ تتخذ يوم عاشوراء يوم مأتم وحُزن ونياحة، وتظهر فيه شعار الجاهلية -من لطم الخدود، وشق الجيوب، والتعزي بعزاء الجاهلية-.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
" وصار الشيطان بسبب قتل الحسين -رضي الله عنه- يحدِث للناس بدعتين: بدعة الحزو والنَّوح يوم عاشوراء؛ من اللطم والصراخ، والبكاء، والعطش، وإنشاء المراثي، وما يُفضي إلى ذلك؛ من سبِّ السلف ولعنهم، وإدخال مَن لا ذنب له مع ذوي الذنوب، حتى يُسب السابقون الأولون، وتُقرأ أخبار مصرعه -التي كثير منها كذب-، وكان قصد مَن سنَّ ذلك فتح باب الفتنة والفرقة بين الأمة، فإن هذا ليس واجبًا ولا مستحبًّا باتفاق المسلمين؛ بل إحداث الجزع والنياحة للمصائب القديمة من أعظم ما حرَّمه الله ورسوله "...
وأما في الوقت الحاضر:
فيستقبل بعض المنتسبين إلى الإسلام في بعض البلدان شهر محرم بالحزن والهم والخرافات والأباطيل، فيصنعون ضريحًا من الخشب مزينًا بالأوراق الملونة، ويسمونه ضريح الحسين، أو كربلاء، ويجعلون فيه قبرَين، ويطلقون عليه اسم (التعزية)، ويجتمع أطفال بملابس وردية أو خضراء، ويسمونهم: (فقراء الحسين)!
وفي اليوم الأول من الشهر:
تكنس البيوت، وتغسل وتنظف، ثم يوضع الطعام، وتُقرأ عليه فاتحة الكتاب، وأوائل البقرة، وسورة الكافرون، والإخلاص، والفلق، والناس، ثم يصلَّى على النبي -صلى الله عليه وسلم-، ويوهَب ثواب الطعام للموتى.
وفي خلال هذا الشهر:
تمنع الزينة؛ فتضع النساء زينتهن، ولا يأكل الناس اللحوم، ولا يُقيمون ولائم الأفراح؛ بل ولا يتم فيه عقود الزواج، وتمنع الزوجة من زوجها إن كان لم يمض على زواجهما أكثر من شهرين، ويكثر ضرب الوجوه والصدور، وشق الجيوب والنياحة، ويبدأ اللعن على معاوية وأصحابه يزيد وسائر الصحابة.
وفي العشر الأول من الشهر:
تشعل النيران، ويتواثب الناس عليها، والأطفال يطوفون الطرقات، ويصيحون: يا حسين! يا حسين! وكل مَن يولد في هذا الشهر يعتبر شؤمًا سيئ الطالع، وفي بعض المناطق تُدق الطبول والدفوف، وتصدح الموسيقا وتُنشر الرايات، ويُنصب الضريح، ويمر الرجال والنساء والصبيان من تحته، يتمسحون بالرايات ويتبركون، معتقدين أنهم بذلك لا يصيبهم مرض وتطول أعمارهم.
وفي بعض البلدان:
يخرج الناس في ليلة عاشوراء معصبين عيني الرجل يطوفون الطرقات، فإذا ما قاربت الشمس على البزوغ عادوا إلى بيوتهم.
وفي يوم عاشوراء:
تُطهى أطعمة خاصة، ويخرج أهل القرى والمدائن إلى مكان خاص يسمونه: (كربلاء)، فيطوفون حول الضريح الذي يقيمونه ويتبركون بالرايات، وتدق الطبول، وتضرب الدفوف، فإذا غربت الشمس دفن هذا الضريح، أو ألقي في الماء، وعاد الناس إلى بيوتهم، ويجلس بعض الناس على الطرقات بمشروبات يسمونها: (السلسبيل)، ويسقونها للناس بدون مقابل، ويجلس بعض الوعاظ في الأيام العشر الأول فيذكرون محاسن الحسين، ومساوئ ينسبونها لمعاوية ويزيد، ويصبون عليها وعلى أصحابها اللعنات.
ويروُون في فضل عاشوراء وشهر المحرم أحاديث موضوعة وضعيفة وروايات مكذوبة.
وبعد أربعين يومًا من عاشوراء:
يحتفلون يومًا واحدًا يسمونه: (الأربعين)، يجمعون فيه الأموال، ويشترون بها أطعمة خاصة يدعون الناس إليها.
وهذه البدع تعمل في:
الهند، والباكستان، وفي البلدان التي يقطنها الشيعة، ولا سيما إيران، والعراق، والبحرين.
وإقامتهم لحفلات العزاء والنياحة والجزع، وتصوير الصور، وضرب الصدور، وما أشبه ذلك مما يصدر منهم في يوم عاشوراء وما قبله من شهر محرم؛ إنما يعتقدون بذلك القربة إلى الله، وتكفير السيئات والذنوب التي صدرت منهم في السنة كلها!!
ولم يعلموا أن فعلهم هذا مما يوجب الطرد والإبعاد عن رحمة الله -تعالى-.
وصدق الله -تعالى- القائل في محكم كتابه:
{أفمَن زُيِّن له سُوءُ عملِه فرَآهُ حسَنًا فإنَّ اللهَ يُضِلُّ مَن يشاءُ ..} [فاطر:8].
وقال -عز مِن قائل-: {قُل هل نُنَبِّئكمْ بالأخسَرينَ أعمالًا - الَّذين ضلَّ سعيُهم في الحياةِ الدُّنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صُنعًا} [الكهف: 103-104] )).
[نقلا من كتاب: "البدع الحولية"، إعداد: عبد العزيز التويجري، (93-110)].
[right]